بالتأكيد يجب فتح المجال دائما للأفراح حتى في أحلك الظروف. الناس ليسوا آلات يسيرون على وتيرة واحدة ونمط سلوكي واحد. الأفراح تريح النفس والقلوب وتجدد النشاط والحيوية،
ومن المهم أمام المخطط السياسي والاجتماعي أن يعي هذه المسألة، وأن يضع البرامج المختلفة من أجل الوفاء باحتياجات الناس وذلك حتى يبقى الشعب متحفزا نشطا قادرا على العطاء والإنتاج. للأفراح وأوقات الترفيه هدف واضح له علاقة بالصحة النفسية للناس وباستمرار عطائهم وبذل الجهود اللازمة لتحقيق الإنجازات.
لكن الأفراح في فلسطين تأخذ بعدا آخر الآن. طبعا مناطق/48 دخلت نفقا مظلما في هذا المجال منذ زمن بعيد، والناس هناك يمارسون أفراحهم بخاصة الأعراس بطريقة مبتذلة ورخيصة وجنونية. إنهم يبالغون جدا في الأفراح وينفقون أموالا طائلة، ويتسولون أيضا كثيرا من خلال ما يسمى بالنقوط لتغطية التكاليف الباهظة. الناس ينشغلون أشهرا كل عام بالنقوط، ورب البيت يشغل باله دائما بالمبالغ المترتبة عليه كسداد للذين نقطوا ابنه أو ابنته يوم عرسه/ا او نجاحه/ا. نسي الناس وانشغلوا بأمور تجعل ورطتهم أشد وحياتهم أكثر صعوبة، وترهنهم للبنوك .
في فلسطين المحتلة/67 الآن، من الصعب أن يجد المرء وقتا لنفسه إذا أراد تلبية كل دعوات الأفراح، وأن يقوم بكل متطلبات المباركات الخاصة بالتخرج من الجامعة أو النجاح في التوجيهي. بطاقات الدعوات تنهال عليك مثل رش المطر، والمعاتبات حول التقصير لا تتوقف. يراك أحدهم فيعاتبك أنك لم تدعه إلى الفرح، أما آخر فيعاتبك إن لم تلب الدعوة. أما آخرون فيسجلون الحضور، ويدونون مبلغ النقوط لكل شخص وذلك من أجل السداد في المستقبل أو التملص إن أمكن. الناس يكثرون والمناسبات كثيرة، ويبدو ان الناس يفرغون أزماتهم في مثل هذه الأمور، والمخطط السياسي مسرور جدا بهذا التلهي المقيت.
كأستاذ جامعي عليّ واجبات علمية وأكاديمية أؤكد أنني لن أتمكن من القيام بأي عمل مثمر إذا كنت سألبي كل الدعوات التي تصلني، أو إذا كنت لطيفا جدا لأسترضي الذين يعتبون. علي ترك الكتب والمقالات والأبحاث والتدريس وأشمر عن ساقيّ وأستمر في الجري من هذه القاعة إلى تلك، ومن هذا البيت إلى ذاك.
الناس الآن يوسعون دائرة المدعوين بصورة كبيرة جدا. العريس يدعو كل أهل بلدته وربما ايضا اهالي القرى المجاورة، وأمه لا تترك أحدا إلا وتدعوها إلى المباركة، وتعتب كثيرا على المرأة التي لا تشارك في حفلة الرقص وتقرر ألا ترقص في مباركاتها. ووصل الحد ببعضهم أنه يقف في مكان عام ويوزع بطاقات الدعوة بصورة سخيفة، وكأنه يقول للناس: تعالوا نقطوا ابني. وقد وصلت المبالغات للتوجيهي الذي كان النجاح فيه محصورا بالأقارب والأصدقاء المقربين جدا. الآن على كل نابلس أن تحتفل بخريج التوجيهي وأن تحمل نفسها إلى القاعات. ويصل الحد إلى أن بعض النساء يطفن عدة أماكن للتهاني والتبريكات في اليوم الواحد. وفي كل مكان تسمع ذات الأغاني التي ربما بطلها فارس كرم، وتقوم بذات الرقصات، وتحصل على ذات التحيات.
هناك مغالاة كثيرة في الأفراح، وأحيانا في الابتذال كما يحصل في مدينة رام الله. والأعراس تتحول أحيانا إلى مناسبات للتسول، وأحيانا يتفاخر العروسان بكمية النقوط التي جمعاها. هذا خارج شرع الله، وخارج المنطق الإنساني، ويجب التوقف عن هذه العادات السيئة. الفرح ضروري، ومن الممكن أن يتم بحضور الأقارب والأصدقاء المقربين.
مطلوب من المخطط السياسي والاجتماعي أن يضع البرامج الإنتاجية المختلفة وذلك ليملأ الناس وقتهم بالعمل والإنتاج، وليكون للترفيه معنى إنسانيا عميقا بعد ال